بيان الدكتور فيصل المقداد وزير الخارجية والمغتربين أمام مجلس الشعب

بيان الدكتور فيصل المقداد وزير الخارجية والمغتربين أمام مجلس الشعب
دمشق 20 حزيران 2022
السيد رئيس مجلس الشعب
أيتها السيدات والسادة..
أشكركم على دعوتي للحديث أمامكم اليوم، وأتشرّف بأن أكون هنا بين الممثّلين المنتخبين من قبل الشّعب السوري، والذين منحهم الثقة الغالية لتحمل مسؤولياتٍ كبيرة في ظل ظروفٍ استثنائية وتحدياتٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ وعسكريةٍ هامّة تمر بها الجمهورية العربية السورية. لقد دعمت وزارة الخارجية والمغتربين عمل وأنشطة الدبلوماسية البرلمانية، ونعبّر عن تقديرنا لمشاركة مجلس الشعب في فعّالياتٍ دوليةٍ هامة ساهمت في شرح مواقف سورية وأوضاعها وتطلّعات شعبها.
تابعنا جميعاً التصريحات والمواقف التاريخية التي عبّر عنها السيد الرئيس بشار الأسد، رئيس الجمهورية العربية السورية، خلال الأيام القريبة، والتي تناول سيادته خلالها بالتّحليل العميق مختلف الشؤون الوطنية الداخلية، ومواقف سورية إزاء القضايا الإقليمية والدولية الحالية. ودعوني أؤكّد في هذا السياق على أنّـنا في وزارة الخارجية والمغتربين نقوم بمتابعة تنفيذ توجيهات السيد رئيس الجمهورية، والخطوط التي رسمها سيادته للسياسة الخارجية المبدئية لسورية، القائمة على الدفاع عن استقلالنا وسيادة قرارنا الوطني، إلى جانب رعاية شؤون المغتربين السوريين في مختلف أنحاء العالم.
لقد صمدت سوريّة لسنواتٍ طويلة أمام حربٍ إرهابيةٍ غير مسبوقةٍ في التاريخ الحديث. وأقول إنها غير مسبوقةٍ، لأنّ بلداً في هذا العالم لم يتمّ استهدافه بهذه الأعداد من الإرهابيين، ولا بحجم الدّعم والتمويل والتسليح والغطاء السياسي والإعلامي الّذي تلقّته التنظيمات الإرهابية في سورية، من قبل حكومات دولٍ معروفة لجأت إلى استخدام الإرهاب كسلاحٍ ضدّ هذا البلد، لا لشيء إلاّ لأنّه يتمسّكّ بسيادته الوطنية واستقلاله ومصيره الحر وكرامته.
بكلّ تأكيد، صمد هذا البلد بفضل قواته المسلّحة الباسلة، وحكمة قائده وتماسك مؤسّساته وسلطاته الوطنية، بما فيها هذه المؤسّسة العريقة مجلس الشّعب، وبدعمٍ من الحلفاء والأصدقاء الّذين وقفوا إلى جانبنا لإيمانهم بعدالة موقفنا وقضيّتنا وحربنا ضدّ الإرهاب والتّطرف، وليقينهم بأنّنا أقوياءٌ ومتجذّرون عبر التّاريخ، مهما تعاظمت التّحديّات والصعوبات.
لقد ظهر العمق الأهمّ لانتصارنا على الإرهاب على الصّعيد الوطني، حين أثّبت السوريّون في نهاية المطاف إرادتهم القّويّة في الانتصار على الإرهاب بمختلف أشكاله، وبرفض الهيمنة الأمريكية والغربية على استقلالنا وقرارنا الوطني، وبإرادة الحياة والاستقرار والرّفاه لكل السوريين، مهما كانت التّحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
ندرك جميعاً بأنّنا نواجه تحدّياتٍ كبيرةٍ على الصّعيدين الاقتصادي والاجتماعي في بلدٍ عاش لأكثر من عشر سنواتٍ آلام حربٍ إرهابيةٍ غير مسبوقة، ونعلم الأثمان الباهظة الّتي دفعها شعبنا ودولتنا من أرواح المواطنين الأبرياء، ومن تدميرٍ للبنى التّحتية والأملاك العامّة والخاصّة، وسرقةٍ للنفط والغاز والقمح والقطن والموارد الطّبيعية والتراث الحضاريّ والإنساني للشّعب السوري.
واليوم، فإنّنا لا نزال نتعامل مع تحدّياتٍ ليست بالعادية، وفي مقدّمتها سلسلةٌ واسعةٌ من الإجراءات الاقّتصادية القسرية أحادية الجّانب التي تفرضها الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي على الجمهورية العربية السورية، والتي بلغت اليوم حداً غير مسبوقٍ باستهدافها لقطّاعات المصارف والطاقة والاستثمار والاستيراد والتّصدير والاتصالات والنقل الجّوي والبحري والبري، بغرض رفع مستوى تأثير هذه العقوبات غير الشّرعية إلى درجة حرمان الشّعب السوري من حقوقه الأساسيّة في الحياة، ولا سيّما حقه في الحصول على الدّواء والرعاية الصّحية والغذاء المناسبين، إضافةً إلى منعه من حقّه في الحصول على الموارد الكافية من الماء والكهرباء والاتّصالات والتّنقل الداخلي والخارجي.
إنّنا في وزارة الخارجيّة والمغتربين، وبتوجيهٍ من قائد الوطن السّيد الرئيس بشّار الأسد، لم نتوقّف في يومٍ من الأيّام عن طرح هذه القضية الإنسانية والقانونية والأخلاقية سواء على المستوى الثنائي في علاقاتنا مع الدول، أو على الصّعيدين الإقليمي والدولي، في سبيل كشف الأجندة الحقيقية التي تسعى إليها الحكومات التي اتّفقت على فرض العقوبات الاقتصادية القسرية على الشعب السوري، لتحقيق سياساتٍ هدّامةٍ وخطيرة قائمةٍ على دعم التّنظيمات الإرهابية المسلّحة والميليشيات الانفصالية في سورية، وممارسة الابتزاز والإرهاب الاقتصادي، والسّعي المستميت لنشر الفوضى وعدم الاستقرار، والتّدخّل الهدّام في مسار التسوية والمصالحة الوطنية، لفرض أجنداتٍ خاصّة لا يمكن أن تكون لصالح الشّعب السوري ولا حقّه في عودة الاستقرار والأمن والرفاه والكرامة الإنسانية للجميع دون استثناء.
أؤكّد لكم أنّ الحكومة تبذل ما أمكن من جهدٍ في إطار مهامّها وعلاقاتها العربية والدّولية، وبالتعاون مع القطّاع الوطني الخاص ومع الأصدقاء والشركاء الخارجيين، من أجل استعادة القدرة في مجالات تحقيق التّعافي المبكّر وإعادة البناء والعودة إلى مسار التنمية المستدامة، حيث نسعى في هذا الإطار إلى:
• الرّفع الفوري وغير المشروط لجميع الإجراءات الاقتصاديّة القسرية أحاديّة الجانب المفروضة على الجمهورية العربية السورية، ولا سيّما على قطّاعات المصارف والنّقل الجوي والبحري والاتّصالات والطاقة والنفط.
• تعزيز فرص التّبادل والتعاون التّجاري والاقتصادي والصناعي والزراعي بين سورية والعديد من الدول الصديقة، وتأسيس مساراتٍ مبتكرةٍ وخلّاقة في العمل المشترك تساعدنا على تجاوز المنظومات التّجارية والمالية والمصرفية التي تتحكّم الولايات المتّحدة الأمريكية بها، وتساعدنا أيضاً في المجال الأكثر حيويةً والذي تحدّث عنه السيد الرئيس في مقابلته الأخيرة، ألا وهو سبل إعادة بناء وتأهيل قطاع الطّاقة الكهربائية الّذي تعرّض للتخريب والتدمير الممنهج، والذي يشكّل
العصب الأساسي في عملية التّنمية في المجالات الزراعيّة والصّناعيّة والاقتصادية والخدميّة والحضارية.
• خروج القوات العسكريّة الأمريكية والتركيّة المحتلّة من جميع الأراضي السوريّة، وإعادة بسط سيطرة الدّولة السوريّة على مختلف هذه المناطق، وإعادة إعمار وصيانة محطّات النّفط والغاز وتوجيه مواردها لصالح الشّعب السّوري حصراً. ونذكّر المجموعات الانفصالية بأنّ تآمرها على مصالح الوطن يضعها في خانة الأعداء، وأن خيار هؤلاء الوحيد هو العودة إلى الضّمير الوطني، لأنّ الولايات المتحدة خذلت كلّ من تحالف معّها ضدّ وطنه، وما أفغانستان في الأمس إلا دليلاً على ذّلك.
ولن تغيب عن بالنا الحقيقة الأبرز في هذا المجال، وهيّ أنّ الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبّي وأتباعهم في المنطّقة، لا يزالون غير قادرين على القبول بهزيمة مشروعهم العدواني ضدّ سورية، والذي كان الإرهاب هو السلاح الأبرز فيه وعلى حساب السلم والأمن الدوليين. إنّ هذه الأطراف لا تزال تعتقد واهمةً أنّ بإمكانها تقرير حاضر ومستقبل سورية، وأنّ بإمكانها السيطرة على مسار الحلّ فيها، وأنّ بإمكانها أن تكتب دستوراً جديداً، وأن تفرض نظاماً سياسياً جديداً وهويةً وطنيةً وقوميةً جديدة على السورييّن. ولذلك، فإنّ هذه القوى والحكومات لن تتوقّف عن استخدام الإرهاب الاقتصادي ضدّ سورية، وضدّ كل حكومةٍ لا تخضع لهيمنتها.
لقد تابعتم مجريات الجولة الثامنة من أعمال اللّجنة المعنيّة بإصلاح الدستور، والّتي انعقدت مؤخّراً في جنيف، وإنّنا لا نزال نرى – كما أكّد السيد الرئيس – أنّ المعضلة الأساسيّة التي تقف أمام عمل هذه اللجنة، هو وجود طرفٍ قامت تركيّا بتسميته لا يزال مصرّاً على طرح أفكار أو معارضة أفكار، بما يخدم أجندة التدخل الخارجيّ في الشأن السوري، وفي عملية كتابة الدستور، دون احترام طموحات وتطلعات السوريين جميعاً ورؤيتهم لمستقبلٍ أفضل يسوده السلام والعدل والاستقرار والأمن والرّفاه للجميع في سورية.
هناك أصواتٌ داخل هذه الاجتماعات ترفض الحديث حتىّ يومنا هذا عن ضرورة رفع التدابير القسرية أحادية الجانب، وعن مطالبة الدول التي قامت بفرضها بدفع التعويضات المناسبة، كما ترفض الحديث عن الحق في التّنمية وفي إعادة إعمار ما دمّره الإرهاب والعدوان الخارجي، وعن حقّ اللاجئين في العودة الآمنة والطّوعية في منأى عن أيّة شروطٍ سياسيةٍ خارجية. كما أنّ ذات الأصوات لا تزال تستجلب تجارب فاشلة أدّت إلى تفكيك مؤسّسات الدول، وإلى زرع أفكار ومبادئ غريبة عن مجتمعاتها، في مقدّمتها المحاصصة والفيدرالية وتفكيك وإعادة هيكلة المؤسسات الرسمية بغرض إضعاف دور الدولة ومركز وقيمة قوانينها الوطنية، وبما يمهّد الطّريق أمام التّدخل الخارجي وخرق السيّادة الوطنية وزعزعة التماسك الاجتماعي. وبالنّتيجة، فإنّ هناك أطرافاً تزعم تمثيل السوريين، ولكنّها تروّج لأفكار ومصالح ومخططاتٍ أمريكيةٍ وغربيةٍ وحتّى صهيونية وتركيةٍ وإخوانيّة، كان من المفترض أن تنجح هذه الأطراف في تحقيقها في سورية عبر سلاح الإرهاب والضّغط السياسي والاقتصادي. إنّ من يسكن في الفنادق الغربيّة الفارهة، ويتواصل مع أعداء الوطن ويطالبهم بتشديد الإجراءات القسريّة، أي العقوبًات على الشّعب السوري، لا يمكن أن يصدّق أحدٌ إدّعائه الكاذب بالحرص على مصالح الشّعب السوري وحاضره ومستقبله.
إنّ الاهتمام الأساسيّ للدولة السوريّة في مجال العلاقات الخارجيّة ينصبّ على قضية استعادة الأمان والاستقرار في جميع أنحاء البلاد، وتبقى هذه الغاية أساسيةً ومرتبطةً بمساراتٍ سياسيةٍ وميدانيةٍ متعددة، ومن ضمنها ما أكّد عليه السيد الرئيس بشار الأسد من أنّ كلّ أرضٍ سوريةٍ محتلة هي خاضعةٌ للخطط العسكرية والسياسية السورية من أجل التحرير، وأنّ هذا الموضوع محسوم، وأيّ أرضٍ محتلة من قبل تركيا أو الولايات المتحدة أو إسرائيل أو التنظيمات الإرهابية، سيتم تحريرها.
تستمر وزارة الخارجية والمغتربين بإثارة موضوع الاحتلال والعدوان التركي في مختلف المحافل الدبلوماسية والدولية، ونشدّد في جميع اتصالاتنا على أنّ العدوان والاحتلال هما التوصيفان القانونيان والواقعيان الوحيدان اللذان ينطبقان على الوجود التركي غير الشرعي على الأراضي السورية، وعلى أنّ الأفعال المدمرة التي يمارسها النظام التركي فوق الأراضي السورية ما هي إلا عملٌ من أعمال العدوان، وسعيٌ لإنشاء بؤر متفجرة دائمة داخل سورية، لضمان الاستمرار في سياسة رعاية وتسليح وتشغيل تنظيماتٍ إرهابية، بما يخدم السياسات المراوغة والانتهازية التي يتبنّاها نظام رجب طيب أردوغان، والتي باتت تشكّل خطراً مستفحلاً على السلم والأمن الإقليميين والدوليين.
لقد وصل صوتنا إلى كلّ أرجاء العالم، حيث أكّدنا بأنّ أية إجراءاتٍ أو أنشطةٍ مارستها أو تمارسها حكومة النظام التركي على الأراضي السورية، هي أفعالٌ غير شرعيةٍ ولاغية ولا ترتّب أي أثرٍ قانونيٍ أو واقعي، بل وترقى إلى توصيفها بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كونها قائمةٌ على العدوان والاحتلال، وعلى ممارسات التطهير العرقي والاجتماعي، وعلى نقل السكان وتهجيرهم من بيوتهم ومناطقهم الأصلية، وعلى الاستيلاء على ممتلكاتهم وبيوتهم وأراضيهم، وعلى تهديد حياتهم ومستقبلهم. كما حذّرنا مراراً وتكراراً من العواقب القانونية الناجمة عن الانخراط في تمويل المشاريع والبرامج التي تنفّذها حكومة الاحتلال التركي على الأراضي السورية المحتلّة، بذريعة معالجة الوضع الإنساني للّاجئين السوريين وتأمين العودة لهم إلى أماكن تمّ تهجير وتشريد سكانها الأصليين والاستيلاء على ممتلكاتهم.
أؤكّد من جديد أن وزارة الخارجية والمغتربين تولي أهميةً قصوى لإيصال خطط الحكومة في مجال تأمين العودة الآمنة والطوعية لجميع السوريين المهجّرين داخل البلاد وخارجها، إلى الدول والمنظمات الدولية، باعتبارها مسؤوليةً حصريةً وواجباً على عاتق الدولة السورية استناداً إلى الدستور والشرعية الدولية. إنّ تأمين عودة المهجّرين هي عمليةٌ مستمرةٌ منذ سنواتٍ وترتكز إلى أسس واضحة لا لبس فيها، وفي مقدّمتها: القضاء على الإرهاب وإخراج الجماعات الإرهابية من المناطق التي كانت تسيطر عليها، واستعادة الأمن والاستقرار في مختلف المناطق والقرى والمدن، وإخراج جميع القوات الأجنبية المحتلة وغير الشرعية من الأراضي السورية، هذا إلى جانب احترام القوانين والأنظمة الوطنية التي تصون حقوق جميع المواطنين وتحفظها، وفي مقدمتها حقوق الملكية العقارية والزراعية الخاصة، والحق في العودة إلى الأرض والموطن والمنزل.
كما أننا نشدّد على عودة هؤلاء المهجّرين بشكلٍ طوعيٍ وبكرامة، وفقاً للقانون الدولي الإنساني، علماً أنّ الإرهابيين وداعميهم هم المسؤولون عن تهجيرهم وعذاباتهم.
إنّ الاستمرار في مسار المصالحات الوطنية هو سياسةٌ ثابتة، لأنها تحقّق منذ سنواتٍ إنجازاتٍ معتبرة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي الوطني، بل وتعزّزت مفاعيلها كثيراً نتيجة صدور العديد من مراسيم العفو الرئاسية، وآخرها المرسوم التشريعي رقم (7) تاريخ 30 نيسان 2022، الذي منح السيد رئيس الجمهورية بموجبه عفواً عاماً عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين قبل تاريخ 30-4-2022، عدا تلك الجرائم التي أفضت إلى موت إنسانٍ، ونعتقد أنّ من سيستفيد كثيراً من هذا المرسوم هم المواطنون السوريون خارج البلاد، لأن المواطنين داخل البلاد استفادوا من المراسيم السابقة في تسوية أوضاعهم.
إنّ مرسوم العفو رقم (7) يختلف عن مراسيم العفو السابقة، وهو استثنائيٌ بطبيعته القانونية والاجتماعية والسياسية، وهو يعكس مرحلةً متطورة ونقطة تحولٍ جوهرية في إطار جهود سيادة الرئيس المستمرّة والتي تعكس إرادةً حقيقية لترسيخ مفاهيم المصالحة والتّسامح بشكلٍ مستدام. وفي هذا السياق، أودّ الإشارة إلى أنّ وزارة الخارجية والمغتربين أصدرت التعليمات والتوجيهات اللازمة للبعثات الدبلوماسية والقنصلية السورية في مختلف أنحاء العالم، من أجل استقبال المواطنين السوريين الراغبين في تسوية أوضاعهم استناداً إلى مراسيم العفو التي صدرت منذ العام 2011 وصولاً إلى المرسوم التشريعي رقم (7)، وكذلك المواطنين السوريين الذين يرغبون بالاستعلام عن أوضاعهم وفيما إذا كانوا مشمولين بمرسوم العفو الأخير، وذلك بغية تسهيل عودتهم أو زيارتهم إلى بلدهم في أيّ وقتٍ يرغبون فيه، ونتلقىّ في كلّ يوم عشرات الطلبات من مواطنينا خارج البلاد.
كما خاطبت وزارة الخارجية والمغتربين وزراء الخارجية في أكثر من مائة دولة ومجلس الأمن والأمين العام للأمم المتّحدة، ووضعتهم في صورة الإجراءات التي تقوم بها سورية في مجال تسهيل عودة جميع اللاجئين السوريين إلى أرضهم وبيوتهم ومزارعهم وأعمالهم، وبما يعكس الرؤية الواضحة للدولة السورية من أجل تعزيز مناخات الاستقرار والأمن المجتمعي. وقد دعونا دول العالم إلى التعاون معنا ودعم جهودنا في تطوير مقاربةٍ سياسيةٍ إيجابية وبنّاءة في التعامل مع الوضع في الجمهورية العربية السورية، وبمنأى عن أية اعتباراتٍ لا تأخذ المصلحة الوطنية السورية وآفاق تحقيق الأمن والاستقرار والرفاه لشعبنا السوري وجهود مكافحة الإرهاب بعين الاعتبار.
أؤكد من جديد على توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد، رئيس الجمهورية، من أنّ من حق كل مهجّرٍ أو لاجئٍ سوري أن يعود إلى ممتلكاته العقارية والزراعية وإلى منزله وموطنه وأرضه في المناطق التي استعادت الدولة السورية السيادة عليها بعد تحريرها من الجماعات الإرهابية المسلحة. ومن جانبها، لا تزال الحكومة تعمل ما أمكن من أجل توفير مقومات الحياة الأساسية في تلك المناطق، على الرغم من الحصار الاقتصادي المفروض عليها، وذلك اعتماداً على الموارد الوطنية وبالتعاون مع حكومات الدول الصديقة، على الرغم من العراقيل التي تضعها حكومات الدول الغربية، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بما يخالف القواعد الأخلاقية وكافة القرارات الدولية ذات الصلة. والسؤال الذي نطرحه هنا: هل تساعد الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية اللاجئين على العودة إلى بلدهم؟ وهل يدعم الحصار اللاأخلاقي المفروض على البلاد أنشطة التعافي المبكر والتنمية وإصلاح المدارس وتأهيل البنية التحتية وخطوط جرّ المياه وبناء المراكز الصحية والطبية؟ أم أنّها أساليب لمنع هؤلاء السوريين من العودة؟
السيد الرئيس
أيتها السيدات.. أيها السادة..
تبقى مواجهة خطر إسرائيل وعدوانها واحتلالها للأراضي العربية في فلسطين والجولان وغيرهما من أراضٍ محتلة في جنوب لبنان، حاضرةً على رأس أولويات صانع السياسة الخارجية للجمهورية العربية السورية. وهنا، أود التشديد على أنّ الصراع العربي – الإسرائيلي سيبقى الهمّ الأساسي للسياسة الخارجية السورية وفي علاقاتنا مع دول العالم، ويخطئ الكيان الإسرائيلي الغاصب ومن يقف وراءه إذا توهّم بأن الزمن سينسينا حقوقنا، مهما طال.
إنّ إسرائيل كانت وستبقى راعية الإرهاب في المنطقة مع حلفائها الولايات المتحدة والغرب الاستعماري والنظام التركي، وهي لن تتوانى عن ممارسة جميع أشكال العدوان، من أجل ضمان بقاء الجماعات الإرهابية ومنع انهيارها. إن تدخلات إسرائيل السافرة وخروقاتها لسيادة وسلامة الأراضي السورية هو عملٌ إرهابيٌ وسعيٌ مستميتٌ لرفع معنويات الإرهابيين وإعادة تحريكهم، وهو سلوكٌ عدوانيٌ مرتبطٌ بشكلٍ عضويٍ بما تمارسه قوات الاحتلال التركي في الشمال السوري من أعمال احتلالٍ وعدوانٍ وتخريبٍ وتهجير ومحاولات استيطانٍ ودعمٍ للإرهاب، وذلك في إطار السعي المحموم للإسرائيليين والأمريكيين والغربيين والنظام التركي، إلى استدامة الفوضى والإرهاب في المنطقة، وقطع الطريق أمام آفاق الحلّ السياسيّ الذي يختاره السوريون وحدهم في منأى عن مثل هذه التدخلات السافرة.
إن التزام سورية بقضية العرب المركزية، قضية فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية هو التزامٌ ثابتٌ لا يهتز على الرغم من كلّ التحديات، والجرائم التي ترتكبها إسرائيل يومياً في الأراضي الفلسطينية المحتلّة لنّ تزيدنا إلا عزيمةً للوقوف إلى جانب صمود الشعب الفلسطيني، وحشد كل الجهد العربي والدولي لإدانة إسرائيل وتعريّة أهدافها، لأنها لا تريد السلام، بل تريد الأرض والسلام معاً، وهو أمرٌ يستحيل أن نقبل به.
إن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية لا تعدو كونها حساباتٍ خاطئة وحمقاء، وتعكس نهجاً تصعيدياً ونمطياً خطيراً يزيد من مستوى التهديدات والتحديات التي يواجهها السلم والأمن الإقليميين والدوليين، ويفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات التوتر والتصعيد والفوضى في المنطقة. وستستمر سورية في رفض وإدانة هذه الاعتداءات الإسرائيلية وتوصيفها على حقيقتها القانونية والواقعية، باعتبارها جرائم متعمدة وتهديداً مباشراً للسلم والأمن الإقليميين والدوليين.
السيد الرئيس..
اسمحوا لي بأن أتطرق باختصار إلى علاقات سورية الخارجية، ولا سيما مع الأشقاء العرب، فإننا في وزارة الخارجية والمغتربين مستمرون بتنفيذ توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد، القائمة على رؤيةٍ واقعيةٍ ثاقبة تأخذ بعين الاعتبار ظروف الحرب الإرهابية التي تعرّضت لها سورية، والنتائج السياسية والاقتصادية والاستراتيجية التي أفرزتها السنوات العشر الأخيرة على الصعيدين العربي والإقليمي، ولا سيما في ظل الانتصارات الميدانية التي حققناها مع حلفائنا على الأرض في مواجهة التطرف والإرهاب، ومؤشرات هزيمة المشروع الإخواني والغربي الذي استهدف الهوية الوطنية والقومية في سورية وعددٍ من الدول العربية، هذا إلى جانب إرادة الغالبية الساحقة من الأشقاء العرب في إعادة مستوى العلاقات مع سورية إلى ما كان عليه قبل سنوات الأزمة.
اسمحوا لي هنا أن أشدّد على ما قاله سيادة الرئيس بشار الأسد مؤخراً، من أن علاقاتنا مع معظم أخواننا العرب لم تتأثر في المضمون بقدر ما تأثرت بالشكل، وأننا ننظر اليوم إلى المستقبل بإيجابية، رغم سنوات الحرب وما خلفته من دمار وخسائر، وذلك من أجل تلبية تطلعاتنا في إقامة أفضل العلاقات البينية والجماعية، وتجاوز الخلافات أو التخفيف من حدتها وتأثيرها على العمل العربي المشترك، والانطلاق نحو المستقبل وفق رؤيةٍ استشرافية تأخذ بعين الاعتبار مصلحتنا جميعاً كدول عربية في تعزيز العلاقات السياسية واستعادة موقعنا المؤثر في المنطقة وفي العالم، وفي صون واستعادة حقوقنا وأراضينا المغتصبة، وفي بناء اقتصاداتٍ متكاملة ومتعاونة قوية، وفي تعزيز هويتنا الثقافية والحضارية، والسعي نحو توطين التقانة واستخدامها بالشكل الأمثل لدعم الزراعة والصناعة والتجارة ومشاريع الطاقة والمياه وتوفير الخدمات الأساسية للجميع. إننا ندعو إلى ترميم ما شهدته العلاقات العربية – العربية من تراجع، فهناك فرصةٌ متجددة لتعزيز الصف العربي في مواجهة تحديات التنمية والتطور والتحرر التي لا بد من التعامل معها بصفٍ واحد.
أؤكد لكم اليوم على أن أبواب دمشق مفتوحة لجميع الأشقاء العرب، بما فيها تلك الدول التي اختلفنا معها خلال سنوات الأزمة. وكما قال السيد الرئيس، فإننا واقعيون ومبدئيون في نفس الوقت، ولن نفرط في حقوقنا، ونسعى إلى إعادة بناء ما دمرته الحرب الإرهابية، معتمدين على طاقاتنا الوطنية ودعم أشقائنا وأصدقائنا ومساهمة كل حكومةٍ تحترم خياراتنا الوطنية في مختلف المجالات، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
السيد الرئيس
أيتها السيدات.. أيها السادة..
إن العالم الذي عاش فيه أسلافنا ونعيش فيه نحن الآن يتغير بسرعة، ولم تكن العولمة والإنجازات العلمية الحديثة هي الحل الناجع لآلام البشرية، التي كان الأساس فيها هو الاستعمار والعنصرية والتحكم بمصائر الشعوب. ويخطئ كثيراً من يعتقد أن العالم قد تغير كثيراً منذ قيام الثورات التحررية في العالم، فالحكومات الغربية ما زالت تتعامل مع معظم دول العالم النامية من منطلقٍ استعماري يقوم على شرذمة الشعوب واستغلال ثرواتها وطاقاتها وتسخير كل شيء لمصالحها.
إن موقفنا من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، كان وسيبقى قائماً على اعتباراتٍ سياسية وأخلاقية وقانونية راسخة. ونحن في سورية نملك خبرةً واسعة في نفاق الغرب وسياساته المعلنة. وأستطيع القول إننا دفعنا في عددٍ من المناسبات ثمن خبرتنا العميقة في كشف كذب هؤلاء وازدواجية مواقفهم وأجنداتهم الحقيقية. فنحن قاومنا نفاقهم القائم على الجمع بين شعارات الديموقراطية، وبين ممارسات الاحتلال والعدوان ودعم الاحتلال والتهديد باستخدام القوة والتوسع. ونحن واجهنا مع العديد من دول العالم الحرة محاولاتهم المستميتة لاستهداف السيادة الوطنية لهذه الدول عبر تسخير الإرهاب والسلاح والحصار الاقتصادي، للضغط على شعوبنا واستنزاف طاقاتنا الوطنية.
ولذلك، لم تتردّد سورية في التعبير عن دعمها للعملية العسكرية الروسية الخاصة، دفاعاً عن حق روسيا الاتحادية الصديقة في حماية أمنها واستقلالها واستقرارها وسلامة ووحدة أراضيها. إن من يقرأ التاريخ والجغرافية المشتركة بحيادٍ وواقعية، سيصل إلى قناعةٍ مطلقة بأن الولايات المتحدة لم ولن تتخلىّ يوماً عن السياسة العدوانية والتوسعية تجاه روسيا والصين وكل الدول التي لا تخضع للهيمنة الغربية، ولا عن استهداف الأمن والاستقرار في أوراسيا وطمس اعتبارات الجغرافية السياسية. ندرك أننا لا نعيش في عالمٍ مثالي، ولكننا نعي أنه لم يعد ممكناً لروسيا، شعباً وقيادة، الانتظار حتى يتم نصب صواريخ حلف الناتو على حدودها أو في قلبها.
نحن على يقين تام، وقد سمعنا ذلك مراراً وتكراراً من أصدقائنا في موسكو، على أن روسيا الاتحادية لا تملك أية أطماعٍ خارجية سواء في أوروبا أو خارجها، ولكنها لن تقف في ذات الوقت مكتوفة الأيدي وهي ترى أن الولايات المتحدة تقود حلف الناتو بشكلٍ أعمى ومتهور ليوجّه ترسانته وصواريخه نحو كل شبرٍ في روسيا، ويحاصر الأراضي الروسية من الغرب والشمال والجنوب، ويستهدف الاستقرار السياسي والاجتماعي في كل دولةٍ تحيط بروسيا.
اليوم، لا أحد في الغرب قلقٌ من تداعيات الأزمة الأوكرانية على الأمن الغذائي العالمي، وكل ما يفكر به الغرب المنافق هو عزل روسيا الاتحادية وحلفائها وأصدقائها، وتأمين الغاز والنفط والقمح والغذاء لمواطني الدول الغربية فحسب. ولكن في نهاية المطاف، فإن دول الاتحاد الأوروبي ستكون الخاسر الأكبر نتيجة التورط في مواجهة أشعلتها واشنطن ولندن مع روسيا الاتحادية، وأنا لا أتحدث عن خسائر اقتصادية ومالية وعن إمدادت الغاز فحسب، بل أتحدث عن خسائر جدية بعيدة المدى ترتبط بموقع الاتحاد الأوروبي عالمياً، وبالوضع الأمني والسياسي والاجتماعي في القارة الأوروبية، وبأمن منطقة المتوسط بأسرها، حيث لا أحد يستفيد من اهتزاز هذا الموقع ومن ضعضعة الأمن والاستقرار في أوروبا والمتوسط سوى واشنطن، التي لطالما اعتمدت عقيدةً سياسية قائمة على الاستثمار في ربط الذهب بالدولار، والسيطرة على منابع وأسواق النفط والغاز والمعادن، إلى جانب الاستثمار في القوة العسكرية.
على الأوروبيين أن يفكروا ملياً بمبررات الموقف العدائي المتشدد للحكومة البريطانية تجاه روسيا الاتحادية، والذي أعقب الانفصال عن الاتحاد الأوروبي رغم أنه يشكل البعد والامتداد الجغرافي والسياسي والاقتصادي والأمني الطبيعي لبريطانيا. بكل وضوح، فإن الحكومة البريطانية منسجمةٌ بشكلٍ مطلق مع الأجندة الأمريكية، وذلك على حساب علاقاتها الطبيعية والجغرافية والتاريخية مع جيرانها الأوروبيين، وعلى حساب أمن واستقرار منطقة المتوسط بأسرها.
بعد أكثر من عشر سنواتٍ من الحرب الإرهابية التي شنّت على سورية، لم يعد بمقدور أي طرف أن يعتبر الحياد أو الوقوف في الوسط خياراً، ونحن اخترنا طلب الدعم والمساعدة من الأصدقاء الروس والأصدقاء في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وغيرهما من القوى الخيّرة في التصدي للإرهاب وداعميه، واخترنا تعزيز العلاقات والتحالف السياسي والاقتصادي والعسكري مع هؤلاء الأصدقاء، لأننا نتشاطر في النهاية المبادئ الإنسانية والأخلاقية والسياسية العليا ذاتها، ونملك رؤيةً مشتركة نحو عالمٍ حرٍ سياسياً واقتصادياً ومتعدد الأقطاب، ونحو علاقاتٍ دولية قائمة على احترام مبادئ السيادة والاستقلال وحق جميع شعوب العالم في الرفاه والأمن.
السيد رئيس مجلس الشعب
أيتها السيدات.. أيها السادة..
إن السياسة الخارجية السورية، التي يضع السيد الرئيس بشار الأسد خطوطها الدقيقة، والتي تعمل وزارة الخارجية والمغتربين على تنفيذها بالتعاون والتنسيق مع جميع المؤسسات الحكومية والوطنية، هي سياسةٌ منفتحة وواقعية ومرنة، ولكن مبدئيةـ، وستبقى قائمة على أولويات السيادة الوطنية والاستقلال، وعلى وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وسلامتها، وعلى تحرير كل شبرٍ محتل منها، وعلى القضاء التام على المجموعات الإرهابية المسلحة، وإنهاء جميع أشكال حمل السلاح غير الشرعي، وعلى رفض مشاريع التقسيم والتفكيك وإضعاف مؤسسات الدولة واستهداف هويتها ومركزها ودورها، وعلى تحقيق الرفاه والاستقرار والأمن المجتمعي والاقتصادي في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية.
نحن لم نعتد على أحد، ولا نقبل أن يعتدي أحدٌ علينا، ونحن لم نسلب حق أو أرض أحد، ولا نقبل أن يسلب أحدٌ حقنا أو أرضنا، ونحن لم نتدخل في شؤون أحد، ولا نقبل أن يتدخل أحدٌ في شؤوننا الوطنية، ونحن لم نفرض على أحد نماذج حكمٍ أو مسار علاقاتٍ وسياساتٍ خارجية لا تراعي المصالح الوطنية، ولا نقبل أن يمارس أحدٌ في حقنا مثل هذه التدخلات السافرة. وبالمحصلة، نحن سنبقى نقاوم كل من يسعى إلى إقصائنا أو عزلنا، وهي مسؤولية وطنية تاريخية لن نتوانى عن الاضطلاع بها مهما تعاظمت الضغوطات والتحديات.
الجمهورية العربية السورية دولةٌ قوية وذات سيادة، وتعتز بهويتها الوطنية والعربية، وهي تتطلع إلى بناء علاقاتٍ قوية وبنّاءة ومنتجة، مع أشقائها العرب ومع العالم بأسره، بما يحترم مبادئ السيادة والاستقلال وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ونبذ استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، ويتّسق مع أولويات السياسة الخارجية السورية، ويحقق الرفاه والنمو المستدام للسوريين وللبشرية جمعاء، دون استثناءٍ أو إقصاء.
أشكركم مجدداً على تشريفي بهذه الدعوة الكريمة، وأنا منفتح على الإجابة على أسئلتكم واستفساراتكم والاستماع لملاحظاتكم القيّمة.