أكد الدكتور فيصل المقداد وزير الخارجية والمغتربين أن تفعيل العمل العربي المشترك والتواصل المستمر بين الدول العربية، يشكل ضرورة أكثر من أي وقت مضى، وهو الأمر الذي يتطلب نهجاً عربياً فاعلاً وبناءً على الصعيدين الثنائي والجماعي، لافتاً إلى أن الالتزام الكامل بسيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليميّة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، هو الأساس الذي تقوم عليه علاقات سورية وتوجهاتها وتعاملها مع مختلف القضايا المتعلقة بالوضع فيها.
وقال المقداد في كلمة له خلال مشاركته باجتماع لجنة الاتصال العربية المعنية بسورية على المستوى الوزاري: يلتئم اجتماعنا اليوم في ظل أوضاع دقيقة وخطرة على الصّعيد الدولي، سياسياً واقتصادياً وأمنياً وحتى مناخياً، حيث أفرزت هذه الأوضاع العديد من الأزمات والتحديات والتداعيات السلبية على مختلف الدول، بما في ذلك دولنا العربية التي ربما تأثرت أكثر من غيرها في العديد من النواحي.
وأضاف المقداد: كما هو معروف، فقد واجهت الدول العربية خلال السنوات الماضية ظروفاً استثنائية، وعانى بعضها من التدخلات والاحتلال الخارجي، وانتشار الإرهاب والتطرّف، ومحاولات إضعاف مؤسسات الدولة وتفتيت مجتمعاتها؛ ولكن للأسف لم يكن لدينا كدول عربية رؤية مشتركة واضحة لكيفية التعامل مع كل ذلك، وهذا الأمر بطبيعة الحال أضعف العمل العربي المشترك حتى فيما يخص معالجة القضايا العربية الأساسية التي تهمنا وتؤثر علينا جميعاً.
وأوضح المقداد أن المرحلة القادمة والتغيرات والتطورات التي يشهدها العالم تجعل من تفعيل العمل العربي المشترك والتواصل المستمر بين الدول العربية، أكثر ضرورة من أي وقت مضى، وهو الأمر الذي يتطلب نهجاً عربياً فاعلاً وبناءً على الصعيدين الثنائي والجماعي يستند إلى قاعدة الحوار الشفاف والمباشر والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وفيما يخص الوضع في سورية، قال المقداد: نحن نشدّد دائماً بأنّ الالتزام الكامل بسيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليميّة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، هو الأساس الذي تقوم عليه علاقات سورية وتوجهاتها وتعاملها مع مختلف القضايا المتعلقة بالوضع في سورية.
وأكد المقداد على ضرورة الاستمرار بمحاربة الإرهاب بمختلف أشكاله ومظاهره حتى القضاء النهائي عليه، وهو يشكل خطراً على سورية وعلى الدول الأخرى.. كذلك إنّ أي وجود عسكري أجنبي على الأراضي السورية دون موافقة الحكومة السورية هو احتلال ويشكّل خرقاً سافراً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتّحدة، ويجب أن ينتهي فوراً.
وقال المقداد: جميعكم مطلعون على الأوضاع في سورية، ولذلك لن أخوض في الحديث عن حيثيات ذلك، ولكن ما يهمني التأكيد عليه الآن، هو أننا نعتقد أنّ الدور العربي الأخوي ضروري في دعم الشعب السوري لتجاوز كل تداعيات الحرب على سورية، ومواجهة التحديات الأساسية التي تواجهه، ولا سيما إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية، وخاصّة أنّ اجتماعاتنا ولقاءاتنا السابقة قد أكّدت على ضرورة خروج القوات غير الشرعية من الأراضي السورية، وهذا يشمل بالطبع الاحتلال التركي الذي يعيق تحقيق الاستقرار بشكل أكبر في سورية ويطيل أمد الحرب ويتابع دعمه وحمايته للإرهابيين، بما في ذلك التنظيمات المدرجة على لوائح مجلس الأمن، كما أن هذا الاحتلال يعيق أيضاً عودة اللاجئين الحقيقية، ويسعى إلى تغيير ديمغرافي يخدم مصالحه التوسعية العثمانية في شمال سورية.
وأوضح الوزير المقداد.. نعتقد أن الاحتلال التركي لا يشكل خطراً على سورية فقط، بل على الأمن القومي العربي وعلى المصالح العربية بشكل عام، ولذلك لا بدّ من تضافر الجهود واتخاذ خطوات عملية لوضع حد له بما ينسجم مع مصالحنا المشتركة وعلاقتنا الأخوية، والأسس الراسخة في القانون الدولي.
وتابع وزير الخارجية والمغتربين: من المهم إعطاء موضوع عودة اللاجئين الذين هجّروا من وطنهم بفعل الإرهاب الأولوية والاهتمام اللازمين، ولذلك نرى ضرورة أن يركّز اجتماعنا اليوم على هذا الموضوع وما يرتبط به من تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، كونه موضوعا ملحّا ويهم الجميع، ويُمكن العمل عليه بشكل مُشترك بما يدفع جهودنا للأمام.. وفي هذا السياق، تأمل سورية من الدول العربية التعاون معها في هذا الموضوع.
وقال الوزير المقداد: إنّ سورية ترحب بعودة جميع اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وقد اتخذت العديد من الإجراءات والتسهيلات التي يحتاجها الراغبون بالعودة، وهي مستمرة بتعزيزها وتكثيفها.. وقد عاد حتى الآن ما يقارب نصف مليون لاجئ بشكل طوعي وآمن.
وأضاف: كما ترحب سورية بأي تعاون معها في مجال عودة اللاجئين، ولكن من الواضح أنّ عودة اللاجئين تواجه صعوبات لأسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي والإنساني الصعب الذي تسبب به بشكل أساسي الإرهاب، ثم العقوبات والحصار الاقتصادي المفروض على سورية.. فاللاجئ حتى يعود لا يحتاج إلى الأمن والاستقرار والتسهيلات فقط، بل يحتاج بنى تحتية ومرافق خدمية من مدارس ومستشفيات وصرف صحي ومسكن وكهرباء، وغير ذلك من سبل العيش الكريم.. وبالطبع من المعروف أنّ هذا الطرح هو متطلب أساسي تقرّ به وتطلبه حتى مفوضية اللاجئين.
وبين الوزير المقداد أنه من المهم أن يتم تكثيف العمل مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة للدفع نحو تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، وخاصة في المناطق التي يُتوقع عودة اللاجئين إليها، وبما يفضي إلى تحسين البنية التحتية اللازمة لتوفير العيش الكريم للاجئين الذين يختارون العودة طوعياً إلى سورية، وبما يشمل بناء مدارس ومستشفيات ومرافق عامة وتوفير فرص العمل، ويسهم في تثبيت الاستقرار.. وعليه يجب اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ هذه الجوانب المهمة والضرورية لتهيئة الأرضية اللازمة لعودة اللاجئين وتشجّيع أعداد أكبر منهم على العودة.
وقال المقداد: من الملاحظ أن الدول الغربية تعرقل أي توجه نحو تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، وتعمل على تسييس هذا الموضوع، لذلك من المهم أن تتضافر الجهود العربية للدفع نحو تنفيذ هذه المشاريع، وتأمين التمويل اللازم لها، (وخاصة أن نسبة التمويل قد تراجعت بشكل كبير جداً)، حيث سيسهم ذلك في تحسين الوضع الإنساني وفي عودة اللاجئين.. وقد عُقدت عدّة مؤتمرات في دمشق لتسهيل عودة اللاجئين بالتعاون مع عدد من الدول الصديقة، ولكن للأسف، ورغم دعوة سورية للدول الأخرى ومنظمات وهيئات الأمم المتحدة المعنية للمشاركة في هذه المؤتمرات، كانت المشاركة خجولة وغير فاعلة، ولم يكن هناك أي تجاوب وتفاعل إيجابي من الأمم المتحدة والأطراف الأخرى مع مخرجات هذه المؤتمرات.
وأضاف وزير الخارجية والمغتربين: إنّ الاستجابة الإنسانية لها جوانب بعيدة الأمد وهي أوسع من مجرّد تلبية الاحتياجات العاجلة للمتضررين، ولذلك نؤكّد على ضرورة تكثيف الجهود واتخاذ مبادرات حقيقية من أجل توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سورية نحو مشاريع التعافي المبكر؛ مع بناء الأسس اللازمة للتعافي والتنمية طويلة الأمد، وعدم الاقتصار على تقديم ما يسمى “المساعدات المنقذة للحياة” فقط.
وأكد المقداد أنّ الحكومة السورية منخرطة في تعاون عملي وحوار مستمر وبناء مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين حول المسائل المتعلقة بالعودة الطوعية والكريمة والآمنة للاجئين والنازحين إلى مناطقهم الأصلية.. وقد قدّمت الحكومة السورية الكثير من التسهيلات للمفوضية لممارسة عملها في سورية، وهي مستمرة في تعزيز هذه التسهيلات وتكثيفها، بما يُسهم في دعم الجهود التي نقوم بها في موضوع عودة اللاجئين.
ولفت إلى أنّ سورية تتوقّع التعاون معها، والتفاعل الإيجابي مع الجهود التي تقوم بها لتحسين الوضع الإنساني في سورية، وكما تعرفون، لم يتم التمديد لقرار مجلس الأمن الخاص بآلية إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، بسبب الشروط الغربية التي تنتهك سيادة سورية ورفض إدخال أي تحسينات حقيقية على مشروع القرار.. وحرصاً على استمرار وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، اتخذت سورية قراراً سيادياً بمنح الإذن للأمم المتحدة لاستخدام معبر باب الهوى لإدخال المساعدات إلى شمال غرب سورية وذلك لمدة 6 أشهر.
وقال المقداد: رغم محاولات بعض الجهات وضع عقبات أمام هذا القرار السوري لأسباب سياسية، تم بعد مشاورات ومراسلات بين الحكومة السورية ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، التوصل إلى تفاهم حول كيفية تنفيذ ذلك، وقد رحّب الأمين العام للأمم المتحدة بالتفاهم الذي تم التوصل إليه بين الجانبين، وأكّد بأنّ هذا الإذن يعتبر أساساً للأمم المتحدة وشركائها لإجراء عمليات إنسانية عبر باب الهوى بشكل قانوني.
وتابع المقداد: قامت الحكومة السورية من جديد بتمديد تدابير الطوارئ التي تم اتخاذها بعد الزلزال الذي ضرب سورية بتاريخ ال6 من شباط 2023، بما في ذلك الإذن الممنوح للأمم المتحدة لاستخدام معبري باب السلامة والراعي لإيصال المساعدات الإنسانية، وذلك لثلاثة أشهر إضافية، أي حتى ال13 من تشرين الثاني 2023.
وقال: كما وافقت الحكومة السورية على استخدام معبري سرمدا وسراقب أمام الشحنات الإنسانية المتجهة من الداخل / عبر الخطوط إلى شمال غرب سورية لمدة ستة أشهر أي حتى ال1 من شباط 2024.
وأوضح المقداد أن هذه الإجراءات التي منحت الإذن للأمم المتحدة لاستخدام خمسة معابر لإيصال المساعدات، تؤكّد من جديد أن الحكومة السورية حريصة على إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل مستحقيها من المدنيين دون أي تمييز أو تسييس. وبذلك تكون الحكومة السورية قد قامت بما عليها في هذا الصدد، وباتت الكرة الآن في ملعب الأطراف الأخرى.
وختم المقداد كلمته بالقول: أعبر عن تقديري للجهود التي تبذلها الدول العربية الشقيقة في دعم سورية والحفاظ على سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، ونتمنى لهذا الاجتماع كل النجاح.